ماذا تعرفون عن الاختبار القضائي؟
للإحاطة بالموضوع إليكم جزء من عرض أنجزه طلبة ماستر العدالة الجنائية والعلوم الجنائية بفاس في مادة علم العقاب، تحت عنوان: بدائل الاعتقال الاحتياطي وأساليب الإدماج.
تقديم:
قد ظهر إلى الوجود اتجاه حديث في السياسة العقابية قوامه الأخذ ببدائل العقوبات السالبة للحرية، وازدادت الأصوات المنادية بتطبيق العقوبات البديلة لا سيما بعد نجاح دول عديدة في وضعها حيز التطبيق. وأساس ذلك هو كون العقوبات السالبة للحرية فشلت في تحقيق الردع العام والخاص. الذي تتبوأ منه المؤسسة السجنية الموقع الأساس. ولكون العقوبات السجنية تأتي بنتائج عكسية، زيادة على أن الظروف التي تتم فيها غالبا ما تكون مذلة ومهينة، وحاطة بالكرامة الإنسانية.
المحور الأول: نشأة مفهوم الاختبار القضائي، وتطوره التاريخي:
دراسة ماهية الاختبار القضائي، تتطلب تحديد مفهومه وطبيعته (أولا)، ثم نشأته وتطوره التاريخي (ثانيا).
أ: مفـهـوم الاخـتبار القـضائـي وطـبيعتـه
عرفه "تشارلسن شوت ومارجوري بل " بأنه «الطريقة التي يعامل بها المذنب أمام المحكمة والتي يفرج عنه فيها وفقا لشروط تحددها المحكمة مع تكليف ضابط الاختبار (أو المشرف) بالإشراف عليه وعلاج حالته.
وهذا التعريف يعكس أمرين أساسيين:
أولهما تقييد حرية المحكوم عليه عن طريق فرض التزامات معينة وإخضاعه لرقابة وإشراف هيئة أو مؤسسة مختصة، وثانيهما احتمالية تطبيق العقوبة عند فشل النظام في إصلاح الخاضع له.
وعلى ذلك، فإن الاختبار القضائي هو نمط من أنماط المعاملة العقابية المعتمدة في الوسط الحر، القائم على تقييد حرية بعض المجرمين المنتقين انتقاء خاصا بفرض التزامات عليهم مع خضوعهم لرقابة ومساعدة جهة مختصة تتعهد بتوفير مقومات التهذيب والتقويم مما يباعد بينهم وبين العودة إلى الجريمة من جديد.
ب: نشأة الاختبار القضائي وتطوره التاريخي.
نشأ الاختبار القضائي أولا في الدول ذات النظام الأنجلوأمريكي. فطبق في إنجلترا عام 1820 بهدف إنقاذ الأحداث الجانحين من دخول المؤسسات العقابية. وكان يجوز لقاضي الصلح Judge of Peace أن يلزم من ارتكب جريمة ما تخل بالأمن العام أن يكتب تعهدا يلتزم فيه باحترام الأمن وأن يسلك سلوكا حسنا مقابل إطلاق سراحه. فإن خالف ذلك أمكن توقيع عقوبة عليه أو إبدالها بمبلغ من المال. ثم أستبدل بهذا التعهد فيما بعد إجراءات رقابية وإشرافية من قبل الشرطة للتحقق من سلوك المتهم، وكانت هذه هي بداية ظهور نظام الوضع تحت الاختبار بمعناه الدقيق.
وقد أخذت بعض الولايات الأمريكية بفكرة الوضع تحت الاختبار The Probation، منها ولاية ماساشوشتس عام 1841، إلى أن أقر القانون الفيدرالي هذا النظام بصفه عامة في عام 1925. ومن دول القانون العام إلى الدول الأوروبية أنتقل هذا النظام فأخذ به التشريع الألماني عام 1953 والفرنسي عام 1957.
المحور الثاني: صور الاختبار القضائي وأساسه القانوني
أ-صور الاختبار القضائي:
- الاختبار القضائي في مرحلة الاتهام: حيث تعد بلجيكا، أولى الدول التي أخذت بهذه الصورة عام 1946، إذ ابتدع النائب العام لمحكمة استئناف GHENT الأستاذ Herman Becker هذه الطريقة، دون سند تشريعي، ومضمونها هو أن يتم وضع المتهمتحث الاختبار القضائي، قبل تحريك الدعوى الجنائية ضده أمام المحكمة رغم ثبوت التهمة في حقه. فإذا نجح في الاختبار، تسقط الدعوى بالتقادم، وإذا فشل عمدت النيابة العامة إلى تحريك الدعوى ضده.
- الاختبار القضائي في مرحلة المحاكمة: وهي تنقسم إلى قسمين:
فقد يكون قبل صدور قرار الإدانة، حيث طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة أربع ولايات وهي: "ماساشوستش، وكنتاكي، وماريلاند، ورودآيلاند"، كما اتبعت هذا التدبير "المحاكم الأمريكية العليا" بالنسبة للأحداث الجانحين، في فرنسا قد يقترن الإفراج المؤقت عن المتهم خلال محاكمته بوضعه تحت الاختبار القضائي.
ودائما في نفس السياق، قد يصدر الأمر بوضع المتهم تحت الاختبار القضائي، بثبوت إدانته وقبل الحكم عليه، حيث عرفتها انجلترا في قانون الأحداث الذي صدر سنة 1907.
أما الصورة الثانية، وهي وضع المتهم تحت الاختبار القضائي بعد صدور قرار الإدانة، فنجد أن أساسها القانوني يقوم على ميزة، تقسيم الخصومة الجنائية إلى مرحلتين: الأولى لتقرير الإدانة والثانية لصدور الحكم بالعقوبة. حيث الأصل أن هيئة المحلفين هي التي تتولى الفصل في مدى صحة الواقعة ونسبتها إلى المتهم ومسؤوليته عنها. فإذا قررت ذلك جاء دور القاضي لاختيار وتوقيع العقوبة الملائمة على المتهم. ولقيت هذه الصورة معارضة وخاصة من الجانب الفرنسي، الذي يقول بوحدة الخصومة.
- إلى جانب أن هناك صورة يتم الجمع فيها بين وقف التنفيذ، والاختبار القضائي، حيث يتصف هذا الأخير بأنه تدبير تكميلي للحكم بالعقوبة مع وقف تنفيذها، ويتمثل بأن ينطق القاضي بحكم الإدانة والعقوبة المقررة، ثم يأمر بوقف تنفيذ العقوبة ووضع المتهم تحت الاختبار القضائي، فإذا اجتاز فترة الاختبار بنجاح، اعتبر الحكم الإدانة كأن لم يكن أو افترض تنفيذ العقوبة، أما إذا فشل أثناء فترة الاختبار نفذت فيه العقوبة المحكوم بها.
ب: الأسس القانونية للاختبار القضائي
إن تحديد الدور الذي يؤديه الاختبار القضائي في ميدان السياسة العقابية المعاصرة، يقتضي أن نحدد الطبيعة القانونية له، فهل يعد الوضع تحت الاختبار القضائي من أنظمة قانون العقوبات، أم هو غريب عنها؟ وإذا كان من أنظمة قانون العقوبات فهل هو عقوبة أم تدبير احترازي، أم هو وسيلة حديثة للجزاء الجنائي؟
لهذا سوف نتعرض في هذه النقطة لنوعين من التكييف:
- التكييف القانوني للاختبار القضائي: إن الأستاذ بوزا Bouzat، يذهب إلى إنكار الصفة الجزائية على الاختبار القضائي، الأمر الذي يتنافى مع أولى خصائص النظام العقابي التقليدي، الذي يفرض الجزاء على من يتقرر الحكم عليه به، مستندا في توقيعه إلى القسر والإكراه اللتان تباشرهما الدولة على مرتكبي الجرائم، بالإضافة إلى غلبة الطابع الاجتماعي عليه، وهو مالا يوجد في السجون.
لكن رغم ذلك فالعديد من الفقهاء والأساتذة، ليسوا متفقين مع الرأي الذي ينكر على الاختيار القضائي صفة الجزائية، ذلك أن هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي صورت الاختبار القضائي، أنه أداة من أدوات الرأفة واللين والشفقة، وترك المجرم طليقا بدون عقاب وإعفائه من آثار الجريمة، وأن استخدام هذا النظام يجب أن يقتصر على الأحداث الجانحين أو مرتكبي الجرائم البسيطة لأول مرة. ولعل هذا المفهوم الخاطئ يرجع إلى سيادة أساليب العقاب التقليدية وطغيانها على التدابير العلاجية في المجتمع. وبالتالي فالاختبار القضائي هو جزاء جنائي، حيث أن مناط الحكم به هو اطمئنان القاضي إلى ملاءمته لشخصية الجاني، والذي يعتبر رضاه به عنصرا مهما لنجاحه.
- التكييف العقابي للاختبار القضائي: لقد انتهينا إلى نتيجة مفادها أن الاختبار القضائي هو صورة من صور اللين والرأفة تستهدف إبعاد المجرم عن جدران السجن مع أحقيته بالبقاء داخلها، وبالتالي فالتكييف العقابي الصحيح له، هو أنه جزاء جنائي ينطوي على معاملة عقابية حقيقية، وإن كان لا ينطوي على سلب الحرية، لكن ما نوع هذا الجزاء هل هو عقوبة أم تدبير احترازي؟
فالأستاذ thorton رئيس قسم الاجتماع بجامعة بنسلفانيا، ورئيس الجمعية الدولية لعلم الإجرام، يرى بأن الاختبار القضائي هو عقوبة متميزة عن مجرد الحكم بالعقوبة مع وقف التنفيذ، أنه في ظل جميع القوانين التي أخذت به لا يعتبر بديلا للعقوبة وإنها جزاء مباشر، قائم بذاته.
لكن هناك رأي آخر يمثله كل من "مارك أنسل" و"مارتني"، ينكر تماما صفة العقوبة على الاختبار القضائي، ويرون أن التكييف الصحيح له، أنه في جميع الأحوال تدبير احترازي، وسندهم في ذلك أنه لا يتوفر فيه عنصر الإيلام، وتجرده من فكرة الردع العام، وعدم دراية الجمهور به.
ورغم كل ما يثار من خلاف، فإن المهم أنه يخضع لمبدأ الشرعية، وأن مدته محدد بحد أدنى وأعلى بموجب نص القانون، فضلا عن خضوعه لكل الضمانات، التي يكفلها القضاء الجنائي، ولا يهم بعد ذلك اعتباره عقوبة أو تدبير احترازي.

تعليقات
إرسال تعليق